باحت لنا الذرة بـ أسرارها الغريبة لنا خلال السنوات الاولى من القرن الماضي و بمعدل استثنائي حيث أحدثت ثورة علمية تلو أخرى . في عام 1897 قامت ماري كوري بدراسة الأشعة الغريبة المنبعثة من بعض المعادن النادرة وأطلقت عليها النشاط الإشعاعي . بعد ذلك في عام 1905 أثبت ألبرت أينشتاين بصورة قاطعة وجود الذرة و حجمها . وبعد ذلك بـ سنوات قلائل قام النيوزيلاندي إرنست رذرفورد بـ إجراء تجربة في مانشيستر والتي كشفت له الشكل الداخلي للذرة . صدم العلماء عندما اكتشفوا أن الذرة كلها تقريبا ما هي إلا فراغ . أصبح السؤال عندئذ : كيف تستطيع هذه الذرة الفارغة أن تصنع العالم الصلب حولنا ؟ إستنبط إجابة هذا السؤال مجموعة من الفيزيائيين الثوريين في الدانمارك . لقد اقترحوا أن يكون عالم الذرة يسير وفق قواعد مختلفة عن أي مما رأته البشرية من قبل كان ذلك يعني أن الذرة لبنة البناء الأساسية في الكون كانت فريدة من نوعها و ربما كانت خارج نطاق مقدرة الفهم البشري . بعد ذلك قام أحد العلماء بـ استكشاف النواة قلب الذرة الدقيق فـ وجدوه يتفجر بالطاقة القوية أعطاهم ذلك الإكتشاف : المقدرة على إلحاق التدمير الشديد بـ الارض ولكنه بتحول مدهش منحهم أيضا فهما أوليا عن كيفية تكوين الكون نفسه. وعلى الرغم من ذلك فالرحلة لفهم الذرة المتقلبة غريبة الأطوار قد بدأت لتوها فقط .

في عام 1927 كان شاب ” يدرس في قسم الرياضيات بـ جامعة كمبريدج ” اسمه بول ديراك . وقد صوت لصالحه مؤخرا فيزيائيون اخرون كـ ثاني ألمع فيزيائي انكليزي على مر العصور بعد نيوتن وقد استحق هذا التكريم فقد تخطى كل العقول اللامعة التي لها ريادة الفيزياء الذرية وتركهم يقتفون أثره من الجرأة المحضة والتفكير الغريب في عمله . عندما قرأ اينشتاين بحثا لـ ديراك الذي كان عمره 24 عاما وقتها قال : أنا منزعج من ديراك هذا التوازن بـ هذه الطريقة المدهشة بين العبقرية والجنون لهو شيء مخيف ، في عام 1927 ولأسباب لم يعلمها أحد كلف ديراك نفسه بمهمة كانت ضخمة في منظورها أن يجمع العلم وأن يجمع أجزاءه المبعثرة غي كيان واحد جميل وذلك كان يعني بـ الإضافة إلى كل شيء أن عليه أن يوحد الفكرتين الأشد صعوبة والأبعد عن البديهية في التاريخ . ما كان ديراك يحاول أن يوفق بينه في البداية ميكانيكا الكم وهي : معادلات رياضية تصف الذرة والأجزاء التي تكونها ;,, بعد ذلك هناك نظرية النسبية الخاصة لـ أينشتاين والتي تبدو للوهلة الأولى أنها لا علاقة لها بـ الذرة فـ هي تتعامل مع المسائل الأشمل من ذلك كـ طبيعة الفراغ والزمن و إحدى نتائجها أن الأجسام تتصرف بـ طريقة مختلفة جدا عندما تسافر بـسرعة الضوء . السؤال الذي ربما يسـأل هو : لماذا يريد أحد ما أن يوفق بين نظريتين مختلفتين كـ هاتين ؟

حسنا ... بـ حلول عام 1929 كانت معادلات ميكانيكا الكم تعطي بـ إستمرار إجابات خاطئة عندما تصف الإلكترونات التي هي إحدى مكونات الذرة حيث أنها تتحرك بـسرعة عالية جدا . لكن بالنسبة لـ ديراك كان هناك دافع أكثر خفاء وقال في احدى محاضراته : إن النظرية الفيزيائية لا بد أن تتمتع بـ الجمال الرياضي . لذلك بـ النسبة له لم تكن حقيقة عدم اتفاق ميكانيكا الكم والنسبية غير مريحة فـ حسب بل كانت بعيدة عن المنطق . لذلك في عام 1925 في كمبريدج حاول أن يفهم ويجمع هاتين النظريتين المختلفتين في صورة موحدة „ معادلة واحدة „ وعمل على ذلك لـسنوات وفي مساء أحد الأيام طفي عام 1928 أتاه إلهام مدهش : الطريقة الوحيدة كي نفسر ما حدث هي قول أن معادلات ميكانيكا الكم والنسبية الخاصة اندمجتا بداخل عقل ديراك . وصف اينشتاين للفراغ والزمن قان بـ طريقة ما بمط و ضغط معادلات الذرة الموجودة قام بثنيها وليها لتكون أسكالا جديدة عجيبة و رائعة وبعد ذلك قام ديراك بـ إيمانه الراسخ بأن قوانين الطبيعة لا بد أن تكون جميلة . بوضع معادلة واحدة تمثل وصفا جديدا تماما لما يحدث بـ داخل الذرة . هي المفتاح لـ ناموس الطبيعة السري وبـ أناقة رياضية دقيقة وصفت معادلة ديراك جسيما ذريا يسافر بـ أي سرعة حتى سرعة الضوء .

كل ذلك كان ديراك يتوقع أن يحققه لكن عندما نظر الى معادلته بإمعان أكثر لاحظ بها شيئا ثوريا بـ درجة مذهلة وقال بعد ذلك أن معادلته عرفت أكثر مما عرفه هو بـ داخلها كانت معادلة ديراك تخبره أن هناك كون آخر لم نلاحظه من قبل . كان ذلك بـسبب أن معادلته بدلا من أن يكون لها حل واحد فـ إن لها حلين . الحل الأول : يصف الكون الذي نعرفه المصنوع من الذرات المألوفة لنا . والحل الثاني : يصف صورة طبق الأصل من كوننا مصنوع من ذرات خواصها معكوسة بـ طريقة أو بـ أخرى . الآن محبي الخيال العلمي سيعرفون ما يلي ذلك بالإضافة إلى المادة . تنبأت معادلة ديراك بوجود مادة مضادة . يبدو أن نظرية ديراك تقول أن لكل شيء في عالمنا المعروف لكل جسيم يمكن أن يوجد جسيم مضاد مناظر له بنفس الكتلة لكنه مضاد له تماما في كل شيء آخر . إنه يشبه تماما عالم في مرآة . فـ العالم المصنوع من المادة المضادة سـيشبه ويتصرف مثل عالمنا تماما . من الممكن جدا أن أكون أنا مصنوعا من المادة المضادة نظيري المضاد سيبدو و سيتصرف مثلي أنا الأصل بالضبط ومن الممكن أن يكون هناك في فضاء الكون الشاسع نجوم وكواكب أو حتى كائنات حية مكونة من المادة المضادة وهناك تخمين شبه مؤكد أخير لمعادلة ديراك وقتها وهو يقرر و تأكد ذلك لاحقا : أن المادة والمادة المضادة يجب ألا يلتقيا لأنهما إذا فعلا ذلك فـ النتيجة سيفني أحدهما الآخر ويتحولا إلى طاقة خالصة ، وفقا لمعادلة اينشتاين الشهيرة ، الطاقة = الكتلة * مربع سرعة الضوء ، لذا إذا التقيت بنظيري من المادة المضادة فسوف ننفجر معا بـ طاقة تعادل مليون قنبلة ذرية ، كل ذلك يشبه الخيال العلمي و في الحقيقة فإن فكرة المادة المضادة كانت الملهمة في مساحات كبيرة منه ،

في الحقيقة أن المادة المضادة خاصة إلكترونات المادة المضادة المسماة بوزيترونات تصنع الآن بصورة روتينية في المختبرات . تستخدم البوزيترونات في أجهزة التصوير الطبي المتطورة والتي يطلق عليها ماسحات ” PET ” التي يمكنها أن ترينا صورا خرائطية دقيقة للدماغ من خلال الجمجمة . لكن بالعودة الى أوائل القرن الماضي كان رد الفعل الأولى لمعادلة ديراك بين الفيزيائيين متشككا للغاية حتى ديراك نفسه كانت لديه مشكلة في تصديق نتائجه كانت المادة المضادة تبدو فكرة منافية للعقل . ثم أتى التأكيد المدوي لـ معادلة ديراك بكل مضموناتها الغير معقولة وقد أتى هذا التأكيد من المكان الأبعد عن التوقع ” الفضاء الخارجي ”

في عام 1932 كان الفيزيائي كارل أندرسون يعمل هنا في كالتيك في لوس انجلس عندما اكتشف اكتشاف مذهلا . كان يدرس الأشعة الكونية وهي جسيمات تحت ذرية ذات طاقة عالية تقصف الأرض بـ إستمرار من الفضاء الخارجي و كي يفعل ذلك استخدم جهازا يدعى حجرة الضباب و هو بالأساس عبارة عن إناء مملوء بضباب رقيق من بخار الماء وهو يظهر مسارات الجسيمات وهي تخترق البخار وإذا وضع في مجال مغناطيسي فسوف تنحرف تلك المسارات في هذا الاتجاه والآخر حسب شحنة الجسيم الكهربائية لذلك ستذهب المسارات الموجبة في اتجاه والسالبة في الإتجاه الآخر . وجد اندرسون الدليل في جسيمات تشبه الالكترونات تماما ولكنها تنحرف في الاتجاه المعاكس . لقد اكتشف مضادات الكترونات ديراك جسيمات المادة المضادة .

معادلة ديراك هي انجاز مثير للإعجاب فـ تنبؤها بـ وجود المادة المضادة بـ إستخدام الرياضيات البحتة وحدها سيكون كافيا لجعلها معلما هاما في تاريخ الفكر البشري . لكن بعد سنوات قليلة من نشرها شعر ديراك أولا و آخرون بعده أن معادلته تخبره بـشيء عميق شيء جديد بالكلية عن الطبيعة و قد كانوا محقين لكن الإلهام المختبئ في معادلة ديراك سوف يحتاج أشد الجهود لأعظم العقول إلى ثلاثين عاما ليكتشف . كانت المشكلة في معادلة ديراك هي الآتي : على الرغم من أنها قوية جدا وأدت الى اكتشاف المادة المضادة لكنها تستطيع وصف الكترون واحد فقط و تفشل تماما في تفسير ما يحدث عندما يوجد أكثر من الكترون ؛ ما كنا بحاجة اليه كان نظرية جديدة . نظرية كيف تتعامل الالكترونات مع بعضها البعض ؟ و اتضح انه السؤال الأصعب في منتصف القرن العشرين لكن عندما جاءت الاجابة جلبت معها اكتشافا غير متوقع .

من مكتب فاينمان في كالتيك كانت نظريته من أعظم مساهماته في الفيزياء وكان دوره في تطوير المرحلة التالية من ميكانيكا الكم . كان فاينمان و معاصروه يحاولون التقاط شعلة الذرة من ديراك وتطوير نظرية تأخذ فهمنا للذرة بعيدا في قفزة كمية بـ معنى الكلمة مثل معادلة المادة المضادة لـ ديراك من قبل كانت رؤى النظرية الجديدة هي الدمج بين النظريات السابقة وتطوير مفهوم حديث . لقد أرادو أن يفهموا كيف تؤثر الالكترونات على بعضها البعض . بـ معنى آخر كان هدفها شرح كيف تعمل كل الأشياء مع بعضها من خلال المجال الكهرومغناطيسي وأطلقوا على مشروعهم للدمج ” الديناميكا الكهربائية الكمية ” 'QED' كان المشروع تحد هائل لكن النتيجة النهائية كانت عظيمة . ليست أقل من أن تكون أكثر النظريات العلمية مدى ودقة على الإطلاق .

على سبيل المثال فـ هي تتنبأ بأن خاصية معينة للإلكترون تسمى العزم المغناطيسي وله رقم معين . قاست التجارب الرقم نفسه بـ الضبط وهذا توافق بين النظرية و التجربة . وبمـستوى من التوافق ليس له مثيل من قبل . إنه مثل قياس المسافة من لندن الى نيويورك بدقة حتى سمك شعرة الإنسان . الدقة الهائلة للديناميكا الكهربائية الكمية جعلتها تشكل أساس كل شيء نعرفه تقريبا في العالم المادي . إنها أقرب شيء توصلنا إليه على الإطلاق إلى نظرية „”„ كل شيء „”„ إنها تحدد قوانين الطبيعة على المقياس الذري .كما تفسر الشكل و اللون والملمس والطريقة التي يتفاعل بها كل شيء تقريبا . إنها أيضا تشمل وتشكل أساس كل شيء من الكيمياء الحيوية إلى سبب عدم سقوطنا من خلال الأرضية„„„„„„„„„ : ””””””””” . إذا ... ما الذي تقوله بالفعل الديناميكا الكهربائية الكمية ؟

حسنا ... هذا هو المكان الذي يصعب جدا الذهاب إليه ربما تكون وصفا علميا رائعا للطبيعة . لكن من غير الممكن تقريبا محاولة فهم ما كان فاينمان يعنيه بنظريته . هذا ما قاله هو شخصيا عندما قدم نظريته على الورق قائلا : إن مهمتي أن أقنعكم ألا تنصرفوا لأنكم لم تفهموها . تلامذتي طلبة الفيزياء لا يفهمونها و ذلك لأني لا أفهمها . لاأحد يفهمها „„„„„„„„„„„„„ إذا كان مخترع النظرية لا يفهمها فهل سيكون هناك أي أمل للبقية ؟ „„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„„ وبـ الرغم من ذلك سأحاول أن أشرح على أية حال . أولا يجب عليكم التخلي عن بديهياتكم الأساسية عن الطبيعة . ويجب التخلي عن مفهوم أن الفضاء الخالي هو فارغ . ولنحاول شرح ذلك . إذا قمنا بـ تفريغ كل الهواء من هذا إناء زجاجي سنكون محقين عندما نقول أنني أزلت كل الذرات وبقي لي الفراغ . حجم من الفراغ الخالص . الديناميكا الكهربائية الكمية تعارض هذه الفكرة البديهية بـ قولها : أن الفراغ ليس هو المكان حيث لا يوجد شيء ولا يحدث شيء . وبدلا من ذلك فـ هو مليء بـ الأشياء ويفيض بـ النشاط . كيف يمكن أن يكون هذا صحيحا ؟

حسنا ... لنتخيل نقطة صغيرة من الفضاء في الفراغ . المنطق المعتاد يخبرنا أنه لا يوجد شيء هناك . لكن فيزياء الكم تخبرنا أنه لا يوجد هناك شيء فقط في المتوسط . و ستجبرنا هاتين الكلمتين : في المتوسط : على إعادة التفكير في فهمنا للحقيقة . لنتخيل أن الفراغ يشبه الحساب المصرفي الذي لا يحتوي رصيد في المتوسط . وهذا مثال مطروح ومتعارف عليه في المجتمع العلمي الأكاديمي وهو لتبسيت الفكرة : مثلا في بعض الأيام قد يكون هناك رصيد 100 $ و في أيام يكون هناك 100 $ مسحوبة على المكشوف „ أي مدين بـ 100 $ „ لكن : في المتوسط : الرصيد = 0 : إتضح أن الفراغ لديه نفس المهارة الحسابية لكنه يستطيع أن يقترض الطاقة بدلا من المال وهذه الطاقة يتم اقتراضها من المستقبل بـشرط أن تسـدد بسـرعة . ذلك يعني عمليا أن الطاقة المقترضة يمكن أن تستخدم في تكوين جسيم و جسيم مضاد واللذان سيتكونان تلقائيا في الفراغ شريطة أن يفني أحدهما الآخر ويختفيا بعد ذلك بـ جزء من ترليون من ثانية . تقترض الطاقة من اللامكان وتتحول إلى مادة ثم تدمر المادة نفسها و تتحول إلى طاقة مرة أخرى ويحدث هذا لحظيا في الفراغ في تأكيد مذهل حقيقة لـ نظرية المادة المضادة لـ ديراك . يعج الفراغ بـ أعداد ضخمة من جسيمات المادة و المادة المضادة تتكون وتفنى بـ إستمرار .

على أصغر المقاييس : الفراغ عبارة عن عاصفة مستمرة من الخلق والإفناء يطلق عليها الفيزيائيون ' الرغوة الكمية ' الجسيمات في الرغوة الكمية تأتي وتذهب بـسرعة شديدة ونحن لا نشعر بهم بـ الكلية نحن نطلق عليهم جسيمات افتراضية . لكن لو عملنا على إبطاء الزمن لدرجة الجمود تقريبا : سنكون قادرين على رؤية هذا النشاط الهائج هذا الخلق والإفناء المستمر للمادة و الطاقة والذي هذا نسـيج الحقيقة ذاتها . ومن هنا جاءت أكثر الأفكار إذهالا على الإطلاق . تقول الديناميكا الكهربائية الكمية : أن المادة التي نعتقد أنها الشيء الذي يكون العالم الذي نتعامل معه يوميا . العالم الذي نراه و نحسه هي في الأساس مجرد نوع من بقايا كل النشاط المحموم الذي تقوم به الجسيمات الافتراضية في الفراغ . لذلك : أنتي وأنا والنجوم والأرض و كل شيء في الأساس مجرد جزء من حقيقة معقدة إلى مالا نهاية و أعمق مما تخيلناه على الإطلاق .

بـ الطبع عندما بدأ فاينمان للمرة الأولى تطوير أفكاره الثورية في كالتيك في منتصف الأربعينيات كان معاصروه مذعورين لأنه في ذلك الوقت كان الرأي العام أن مشروع الديناميكا الكهربائية الكمية هو كارثة كبيرة . النظرية لم يمكن حلها والمعادلات ليس لها حلول معقولة : لقد خرجت الرياضيات عن نطاق السيطرة . لكن فاينمان كان مؤمنا أنه يستطيع أن يرى طريقا إلى حقيقة جديدة من خلال التعقيد الرياضي . ما فعله فاينمان بكل ثقة و غرور الشباب قيامه بشـق طريقه خلال الرياضيات المعقدة المجنونة . طور فاينمان سلسلة جديدة من الرسوم الثورية ولكنها كانت رسوم طفولية إذا حاولت شرح أفكاره الجديدة . البساطة الأنيقة طارت في مواجهة الرياضيات المعقدة لميكانيكا الكم التقليدية . في عام 1949 عندما كان فاينمان عمره 30 عام . قرر أن يكشف النقاب لعالم الفيزياء عن نسخته المعدلة المثيرة للجدل للديناميكا الكهربائية الكمية ورسومه الخاصة وقد اختار أكثر المؤتمرات العلمية أهمية في القائمة الأمريكية . كان مؤتمر جزيرة شيلتر المقام على ساحل بنسلفانيا ملتقى مشاهير الفيزياء حول العالم ،

كان حاضرا „ نيلزبور „ الملقب بـ عبقري الفيزياء الذرية ومكتشف المادة المضادة „ ديراك „ والرجل الذي كان وراء قنبلة أمريكا الذرية „ روبرت أوبنهايمر „ كان الجو في بداية المؤتمر قاتما . فـ مؤتمر عن الديناميكا الكهربائية الكمية كان يعتبر في المستوى الأدنى : كانت تبدو نظرية فاينمان كـ فوضى ميؤووس منها . وقف الفيزيائيون الواحد تلو الآخر وكررو بـ يأس كيف أنهم فشلوا في أن يجدوا حلا . ثم جاء دور فاينمان وقف وكان عمره بـ الكاد ثلاثين عاما وأخذ مكانه أمام ألمع علماء العالم . وبدأ يميط اللثام عن رسومه الجديدة و معادلاته . ما حدث بعد ذلك كان مدهشا اندلع خلاف لم يكن معظمه على وصف فاينمان الغريب للحقيقة . فقد كان الفيزيائيون قد اعتادوا على الغرائب في ذلك الوقت . ولكنه كان بـسبب أنه تجرأ على تخيل ما يحدث فـ بدلا من استخدام الرياضيات المعقدة الغامضة كان فاينمان يصف ما تعنيه جسيماته الافتراضية مستخدما رسومه البسيتة المضحكة . كانت هنا ضجة وقف نيلز بور عبقري ميكانيكا الكم من مقعده بـ إشمئزاز لقد استفزته رسوم فاينمان لأنها تعارض كليا كل ما كرس حياته من أجله . كان يؤمن أن الجسيمات الذرية لا يمكن تخيلها تحت أي ظرف . دافع فاينمان عن نظريته الجديدة محاولا توضيح أن الرسوم كانت ببساتة أداة للمساعدة على تخيل معادلاته الجديدة لكن بقية العلماء بما فيهم ديراك لم يستمعوا له ونعتوه بـ المتحذلق الذي لا يفهم شيئا عن ميكانيكا الكم . أنهى فاينمان محاضرته مجروح الشعور لكن غير نادم . كان يعلم أن رسومه ومعادلاته صحيحة لو استطاع فقط اقناع الاخرين .

في ذلك المساء قابل فاينمان فيزيائي شاب آخر يدعى „ جوليان شوينجر „ على الرغم من أنه و فاينمان قد عملا بـشكل منفصل وناقشا مشكلة الديناميكا الكهربائية الكمية بـشكل مختلف جدا . إلا أنهما توصلا إلى نفس الإستنتاجات بـ معادلاتهم الجديدة استطاعا حل الديناميكا الكهربائية الكمية و بـ رسوم فاينمان استطاعا صنع نظرية ذات قوة مدهشة . وآئنذ كـ حلفاء قاما بالتخطيط لهجوم مباشر على نيلز بور والمحافظين . وبـ نهاية المؤتمر تحول الجو في فندق بنسلفانيا الصغير من فقدان الأمل والإحباط إلى الإثارة والمثالية . إنتشرت نظريتهم في الأعوام القليلة التي أعقبت ذلك بعد كل الإكتشافات والتأكيد على صحة نظرية ميكانيكا الكهربائية الكمية أصبحت بـ سرعة أدق و أقوى نظرية عرفتها البشرية .

على الرغم من أنها أصبحت مألوفة في النهاية إلا أن ما تقوله الديناميكا الكهربائية الكمية عن الفراغ الذي يعج بـ الطاقة التي لا يمكننا الشعور بها والجسيمات الافتراضية التي لا يمكن أن نراها . جعل الكثير من الناس بما فيهم الفيزيائيون يرتابون قليلا وربما قال الكثير من المتشككين : أن هذه الجسيمات الشبحية المزعومة التي تملأ الفراغ لا توجد في الحقيقة . صحيح أن المعادلات الرياضية المعقدة يبدو أنها تسلتزم وجودهم . لكن هذا لا يعني أنهم موجودون ربما يكونون مجرد خيالات رياضية ليس لها أصل في الحقيقة ."”””" حسنا ... لدى الخبراء أخبار سيئة للمتشككين : منذ أواخر الخمسينيات بدأت تظهر الأدلة المباشرة المرة تلو المرة في المختبرات على أن الفراغ ليس فارغا بـ أي درجة لكنه في الحقيقة يعج بـ النشاط والمدهش حول الدليل على أن الفراغ ليس فارغا هو الخيط الأول جاء من مطربان مايونيز . في عام 1948 كان فيزيائي يدعى" هندريك كازيمير " يعمل في معامل أبحاث فيليبس بـ هولندا . على ما كان يبدو مسكلة غامضة في المحاليل الغروية وهذا مجرد اسم تخيلي للمواد التي تشبه الدهان والمايونيز والذي يتكون من جسيمات صلبة صغيرة معلقة في سائل . لم يكن أحد يعرف لماذا لا يسيل المايونيز ؟ لماذا لا يتصرف كسائل عادي ؟

يبدو كما لو أن هناك بعض القوى الغريبة التي تمسك جزيئات المايونيز معا لتجعله لزجا ودبقا وقد استحوذ ذلك على تفكير كازيمير و بـ فطنة تدعو للدهشة أدر ك كازيمير أن القوة الغامضة التي تجذب جزيئات المايونيز إلى بعضها لها علاقة بـ الجسيمات الافتراضية الغامضة في الفراغ والأفضل من ذلك أنه خرج علينا بتجربة ستظهر تلك الجسيمات ليراها الجميع . إستغرق الأمر سنوات من المحاولات في المختبرات لتنفيذ تجربة كازيمير لكنها بسيتة في جوهرها . ستعلق لوحين معدنيين قريبين جدا من بعضهما في الفراغ . هذين اللوحين لا يحملان شحنة كهربائية أو مغناطيسية لذا فـ سنتوقع أنهما سيظلان هناك بلا حراك لا يتأثر أحدهم بالآخر . في الحقيقة بـ مرور الوقت بدأ اللوحان يتحركان في إتجاه بعضهما بسبب قوة ضئيلة تدفعهما معا . و أظهر كازيمير أن هذه القوة التي تقوم بـ الدفع كانت بـسبب الجسيمات الإفتراضية التي تملأ الفراغ . كـ الرياح التي تدفع شراع القارب في البحر يدفع الشيء الذي يتكون منه الفراغ اللوحين معا . حقيفة أن العدم . الفراغ التام يمكن أن يبذل طاقة ميكانيكية صغيرة ولكنها حقيقية لهي بالتأكيد ” إحدى الخدع السحرية الكبرى للطبيعة ” وفكر الفيزيائيون في لحظاتهم الأكثر خيالية في أن الطاقة التي تدعى طاقة الفراغ يمكن أن تسخر في يوم من الأيام . لقد تخيلوها تزود سفن الفضاء بين المجرات بالطاقة حاملة البشر عبر الكون . من يعلم إذا ما كان ذلك سيتحقق أم لا . لكن أن يؤدي المايونيز ربما للسفر عبر الفضاء فـ تلك علاقة سيكون ” دوجلاس آدمز ” فخورا بها .

إن الديناميكا الكهربائية الكمية بكل المقاييس لهي اكتشاف عظيم بحق . إنها قمة عظيمة لقصتنا وختاما مجيدا 5 عقود رائعين من العلم . بـ الديناميكا الكهربائية الكمية تكون الذرة قد أعطتنا نظرية تفسر الكثير من كوننا بـ دقة مذهلة . لكن منذ ظفرنا بوصول الديناميكا الكهربائية الكمية أصبحت قصتنا مشوشة وصعبة الفهم . كنتيجة للديناميكا الكهربائية الكمية كان العلماء على قناعة أن الغالبية العظمى أن كل شيء في الكون يتكون أساسا من شيئين فقط . الذرات والضوء . والضوء يتكون من جسيمات متناهية الصغر تدعى الفوتونات وتتكون الذرات من ثلاثة مكونات : الإلكترون البرتون و النيوترون ولأن هناك مادة مضادة فـ هناك مضادات للبروتونات و مضادات للنيوترونات وبوزيترونات غريبة الى حد ما لكنها متناظرة . كل شيء في حديقة الفيزياء كان ورديا بفضل قواعد الدايناميكا الكهربائية الكمية لكن بعد ذلك وليشعر كل الفيزيائيين بالضيق ظهرت فجأة أعداد كبيرة من الجسيمات الجديدة الغريبة كالمتطفلين على الحفل ليفسدو جو المرح . كانت هذه الكيانات الغريبة التي لا تتوافق مع أي نظرية معروفة تظهر في مختبرات الفيزياء بمعدل لم يستطع العلماء مجاراته في تسمية تلك الجسيمات كلها . النيوترينو . البيون السالب . البيون الموجب . الكايون . اللمدا . الدلتا . وبالطبع كل منهم لديه نظيره في المادة المضادة . عندما اكتشف جسيما جديدا يدعى الميون قال أحد الفيزيائيين مازحا : من طلب هذا ؟ „„„„„„„„„„ : ””””””””””” كان الأمر كله فوضى أطلق عليها الفيزيائيون بيأس " حديقة حيوان الجسيمات " .

لقد بدأ الأمر يبدو كما لو أنه في كل مرة يحل فيها العلماء أحد ألغاز الطبيعة تواجههم الذرة بشيء أكثر غرابة . في خلال سنوات قليلة فقط تحولت الفيزياء الذرية من حالة الثقة المطمئنة إلى الفوضى العارمة . وبطبع لحل هذا اللغز الجديد سيحتاج الأمر إلى ... نعم كما خمنت أنتي . ثورة علمية جديدة. وفي هذه المرحلة دخل على الخط العبقري „ موري جلمان „ وانضم الى فاينمان وكان يبدو موري أن لديه القدرة على أن يرى ما وراء الرياضيات يرى أسرار الطبيعة المختبئة تحتها كون فاينمان وجلمان معا ثنائيا رائعا . وكان بينهم تنافس أكاديمي شديد في كالتيك بين العبقريين وكل منهما كان يغذي إبداع الآخر ولكن لكل منهما شخصية مختلفة . وكانا بعبقريتهم الفذة يهيمنان على عالم فيزياء الجسيمات . دفعهما التنافس الشديد الى آخر حدود خيالهم . و في الجو الفكري المحموم فعل عقل جلمان شيء في غاية الغرابة بدأ يستخدم نوع مختلف من الرياضيات ليتعامل مع كثرة الجسيمات التحت ذرية .

استخدم جلمان نوعية غامضة من الرياضيات تدعى نظرية الزمر وكما يوحي اسمها فهي نظرية تحلل مجموعات الأرقام والرموز وتحاول تنظيمها بأنساق بسيطة إنها تشبه لحد ما التعامل مع نوع نظري من الأوريجامي . بإستخدام هذه الطريقة بدأ جلمان في وضع كل الجسيمات التحت ذرية المعروفة في نظام مرتب سمي الطريقة الثمانية . ثم جائته أكثر الهاماته إدهاشا لقد أدرك جلمان أن نظرية الزمر تشير إلى حقيقة رياضية أعمق تخفي وراءها شيء . لديه القدرة على إعادة كتابة كتاب القواعد الذري . ما كشفته رياضيات جلمان له أنه كي يصنع أنساقا مترابطة من كل الجسيمات الجديدة على طريقته الثمانية فـ إن عليه أن يسلم بحقيقة أساسية أعمق وراء ذلك .